تعليق الجمعة لأجل الوباء | د.حسن صنيدح العجمي

230 مشاهدة
27 ربيع الأول 1442 هـ
مناصحة القائمين على شؤون المساجد لإقامة الجمعة أمر مطلوب ، إن كانت المفسدة مندفعة ، فإن الأحكام لا تبنى على عاطفة.
إقامة الجمعة في المساجد من اختصاصات ولي الأمر ، ولا يصح تنازع الاختصاصات وتقاسمها.
 
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على قاعدة (الاختصاص وأثرها في الأحكام) لما سئل عن الحُكَّام الظلمة قال(اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حُمّّلوا ، وعليكُم ما حُمّلتُم) رواه البخاري
فبهذا الحديث وغيره (فَقُه الصحابة والتابعون ترتيب الأولويات في بناء الأحكام الشرعية)
فالجهل بذلك ، مع استحكام العاطفة هو ما دفع كثيرا من هولاء للقيام بالحدود على عباد الله افتئات على اختصاصات الدولة.
قال الحسن: “أربعة إلى السلطان الصلاة والزكاة والحدود والقصاص”
قال مسلم بن يسار عن رجل من الصحابة: ” الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان”.!
قال الطحاوي ولا نعلم له مخالفا من الصحابة.
وقال ابن محيريز: “الحدود والجمعة والفيء والزكاة إلى السلطان”
واختلفوا في أخذ الإذن من ولي الأمر لإقامتها ، ولم يختلفوا في صلاة الجماعة ، مع أن الجمعة آكد وجوبا من صلاة الجماعة بلا خلاف ، مما يبين لك فقه الأولين وجهل كثير من المتأخرين بمناطات الفقه ومعرفة الاختصاصات التي تبنى عليها المسائل الفقهية
هذا في أخذ الإذن ، أما إذا منع منها لمصلحة يراها ولو كان مخطئا فلا أحد يقول بوجوب إقامتها ، بل من أقامها مع قيام المنع فلا جمعة له.
وأقل شأنا من ذلك (الإمامة في الصلاة للجماعة) فلو كان الإمام مخلا بالصلاة -وهذا أمر محرم- لا يجوز لك الصلاة خلفه ، لكن إذا كان من قبل ولي الأمر فقد أوجب الشارع أن تصلي خلفه وعليه الإثم لا عليك ، ولم يرخص لك القيام بجماعة ثانية أو أن تتخلف عنها
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم” وورد بألفاظ متعددة تبين فساد صلاتهم حتى قال ابن المنذر ((هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه))
قال الحافظ:” قَوْله وَإن أخطؤا أَيِ ارْتَكَبُوا الْخَطِيئَةَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ الْمُقَابِلَ لِلْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا إِثْمَ فِيهِ”
وأما الآثار في تضييع الأمراء للجمعة وإخراجها عن وقتها فأكثر من أن يُذكر وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح ولم نعلم أحدا نازعهم في ذلك -هذا وهم فعلوا ذلك ظلما وجورا- فكيف إذا كان باجتهاد وحب خير ومصلحة يراها؟!
حتى قال عَطَاءٍ: أَخَّرَ الْوَلِيدُ الْجُمُعَةَ حَتَّى أَمْسَى فَجِئْتُ فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ أَجْلِسَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَأَنَا جَالِسٌ إِيمَاءً وَهُوَ يَخْطُبُ”.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن هولاء الأمراء الذين يخرجون الصلاة عن وقتها متعمدين “لَعَلَّكُمْ تُدْرِكُونَ أَقْوَامًا يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ وَقْتِهَا فَإِذَا أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوهَا سُبْحَةً”

فلم يأمرهم بأقامة جماعة ثانية ، بل أمر بالصلاة معهم ، ولو سئل أحد هولاء المتفيهقة لقال تحرم الصلاة معهم لأن فيه إقرار منك لهم .!

 

فالمتقدمون يربطون الفقه بعلم دقيق مأخوذ من أصوله الصحيحة من الكتاب والسنة وآثار السلف مع حسن تعامل مع الأحداث ، والمتأخرون يربطون فقههم بالعاطفة والعقل..

 

 

 

وانظر لدفع الزكاة لولي الأمر فإن هذا من اختصاصه حتى ولو كان يجعلها في غير محلها ، فلا تنازعه في اختصاصه وتفتح لك جهة تجمع منها ذلك بحجة أن الحاكم ظالم في توزيعها حتى قال (( أحمد ابن حنبل)): ” قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور، قال:ادفعها إليهم”.

 

 وقال سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: عندي مال، وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، قال: ادفعها إليهم ، فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، رضي الله عنهم، فقالوا مثل ذلك”.
 
واعلم أن بناء الأحكام على ثلاث قواعد مرتبة بحسب أعلاها 1-تحقيق المصالح ودفع المفاسد 2-اختصاصات كل جهة بما أنيط بها 3-الوجوب والحرام
 
فالبناء على المصالح فقط طريقة كثير من الزائغين حتى غيروا الدين، والبناء على الحرام والوجوب فقط طريقة من لم يتفقه على فقه السلف كابن حزم وغيره ،والجمع بين تلك القواعد الثلاث والترتيب بينها والموازنة طريقة فقهاء الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين.
 
قال شيخ الإسلام: لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات [فيتولد فساد عظيم”.

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments